أهلًا، هذي اللستة رقم ٢٠ لكلماشي، ولستة اليوم ما فيها أكل، ما فيها مطاعم أو مقاهي ولا فيها تطبيقات توصيل. 

اليوم في سؤال موجّه لك عزيزي، وموجّه لي محسوبك الكاتب، سؤال مهب صعب لكنه مهم: 

ليه نحب السعودية؟ 

فيه أسباب كثيرة تخليك تحب السعودية، سواء كنت سعودي، أو عربي، أو مقيم أجنبي، أو حتى لو كان مالك دخل، مفروض تحب السعودية، حتى لو كنت عايش في شمال جنوب أفريقيا، أو أقصى نقطة جنوبية في كوريا الشمالية: أنت مفروض تحب السعودية. ليه؟ لأن للسعودية قصة عابرة للإنسانية.

للسعودية قصّة بشر تكاتفوا، تلاحموا، اشتغلوا، تطوروا، تغيروا، بس مع ذلك كله حافظوا على هويتهم، على كيانهم وعلى استمراريتهم. 

هذي القصّة تبدأ من القرن الثامن عشر، قبل ما تبدأ دول كثيرة، قبل ما تكون فيه الولايات المتحدة على الخريطة،  وقبل ما تقوم الثورة الفرنسية، و قبل ما ظهر بسمارك وتوحدت المانيا تحت كيان سياسي مستقل. 

تاريخ شبه الجزيرة العربية هو بعمر تاريخ البشرية، عادي تروح تتنزه بالنفود وتلقى صواغي الذهب من حضارات بائدة، وعادي تلقى نيازك من عصر الدينصورات، أو تلقى بقايا عظام للإنسان العاقل عمره أكثر من ١٠٠ ألف. 

هذا الإنسان سمّوه الإنسان العاقل لأنه قدر يروّض النار، ويحوّلها لغذاء ووقود وسلاح. الآن فيه نوع جديد من البشر قاعد يتطور، الإنسان العاقل في عصر الاحتباس الحراري، العصر اللي التصحّر فيه متسارع، والمناخ هو اللي بيتحكم في مستقبله. 

ليه مفروض البشرية تحب السعودية؟ لأننا روّضنا الصحراء، استئنسناها، تعايشنا معها وحوّلناها لسلاح بيدنا، نطرد منها الغزاة، ونتحكم بخطوط التجارة العالمية منها. واليوم حنّا نعمل ليل نهار اننا نحوّلها مكان مستدام بمستقبل أخضر ناصع زيّ علمنا. 🇸🇦

لأنها كبيرة.. بس الحجم ما يعني شيء: كازاخستان كبيرة، جمهورية الكونغو الديمقراطية كبيرة، انتاركتيكا كبيرة.. هل هذا هذا سبب يخلنا نحبهم؟ لا. السعودية كبيرة ونحبها لأنها تكفينا كلنا: تكفي جبال السودة، ومزارع الأحساء، وجبل اللوز، وبساتين القصيم، ومعالم هجرا، وينبع البحر، وينبع النخل، وظهران الشرقية، وظهران الجنوب، وجدة البلد، ووادي نجران، وجزر فرسان وكل أهالي هذي المناطق، بمختلف هوياتهم الاثنية أو الطائفية أو القبلية، هذي الهويّات ما تنمحي، تبقى وتتمحور وتتشكل في هوية وطنية جامعة وكبيرة زيّ كبرها الجغرافي. 

في أمريكا يشاع مصطلح قدر الانصهار melting pot رمزية للتجانس اللي يصير بين الثقافات المختلفة هناك ومساهمتها في تشكّل الهوية الأمريكية الجامعة، مشكلتنا مع هذا المصطلح انه زي شوربة. كل الهويّات الثانوية تذوب في الطبق الرئيسي. 

السعودية هي صحن سلطة، فيه كل المكونات المختلفة محافظة على شكلها وطعمها، لكن اذا خلطناهم مع بعض صار عندنا طبق متناغم ومتجانس ولذيذ. 

لأنها ثابتة ما تهتز. ما تختلف. مرقوقنا ما يتغيّر، جريشنا ما يتغيّر. تلاحمنا وتكاتفنا مستمر. مهما صار. نحب الخير ونوصله لكل مكان بالعالم، وهذا واجب علينا 

لأن أرضنا فيها أغلى وأعز وأطهر بقعة في الكرة الأرضية، كرمنا ربنا عز وجل بهذا الشرف، شرف خدمة بيته الحرام وخدمة زوّاره.

عشنا فترات مختلفة وأوضاع صعبة، عشنا حرب، فقر، مجاعة، رخاء، تطوّر، حداثة، عشنا كثير، وشفنا كثير بس هويتنا بقت موجودة وتاريخنا مكتوب، ونتصرف كأننا انسان واحد: نضحك على نفس الأشياء، نفهم بعض، وكلنا نسمّي أمهاتنا بجوالاتنا جنة الدنيا، ونسمّي آباءنا الوالد القائد. 

لأنها رغم انها ثابتة، إلا انها تتحرّك وتتطوّر، أسرع من أغلب دول العالم. سهل جدًا علينا نقتبس أرقام إقتصادية توصّل فكرتنا، لكن غالبًا بتتجاهلها عزيزي القارئ، تبي شيء ما تتجاهله؟

أطلع برّا وشف بعينك، شف بكل مكان: 

أهالي الرياض ما صاروا يفرقون بين عجاج الجو وبين غبار المشاريع الإنشائية اللي تلقاها في كل زاوية بالعاصمة، أهالي عسير يواصلون عاداتهم بالكرم والسخاء مع آلاف السياح اللي يجون من العالم أجمع عشان يشوفون بلادنا، وأهالي جدّة يضيعون بالخيال كل مره يتخيلون فيها الشكل الجديد لعروس البحر الأحمر. 

فيه ثورة ثقافية هنا، فورة إبداعية، فن بكل مكان، تمكين للمرأة، تمكين للشباب، حفظ للتاريخ، وقيم إنسانية عالمية تبدأ وتتكون من هنا من بلدنا. وشلون ما نحب السعودية؟ 

نحب السعودية لأن لها رؤية، ورؤية يشوفها قائد يسهر ما ينام لأجل رخاء إقتصادي وثبات لهذا الكيان العظيم اللي يجمعنا.

بالنهاية، في إجابة سهلة لسؤالنا: ليه نحب السعودية؟ لأننا نحب السعوديين. 

نحب نخوتنا، نحب فزعتنا، نحب إختلافنا، نحب حاضرنا ونحب ماضينا، نحب تاريخنا، نحب أمهاتنا، نحب شبابنا، نحب جريشنا ومرقوقنا، نحب شغلنا، نحب رؤيتنا، نحب مستقبلنا.